خيراً لك ألا تكبر
أيها الصغير خيراً لك أن لا تكبر
لقد كنتُ مثلك يوماً صغيراً لا أفهم شي من حولي سوى أشيائي الصغيرة
وأحلامي كانت بكل بساطه تتحقق لأنها أصلاً بسيطة
فلا يلزمني الجهد والتفكير لبلوغها
فهناك من يوفرها
وكنت لا أفكر بالمستقبل,بل كان لا يخطر على بالي,,بل كان لا يعنيني
فهو يبدو في نظري كقصه خياليه ما لها من قرار,,
فكنتُ أنام على أحضان دافئة تعزف غدي الزاهر,,وأصحو على إشراقات حاضري
المحفوف بالود والرأفة,,
فلا واجبات تربطني ولا اهتمامات تشغلني,,
حراً طليقاً في سماء المرح,,لا تعرف الدموع طريقها إلي إلا إذا انكسرت أحد ألعابي,,
وسرعان ما ألهو عنها بغيرها,,
ولا أعرف معنى الحزن لأنه أبعد من أن يتسلل إلى دنياي ألجميلة,,
فخيراً لك يا صغيري بأن لا تكبر,,
فحينها قد تفقد روح الطفولة ,بل قد تندم على براءة عشتها لن تتكرر أبداً,,
فها أنا ذا وقد بلغت من العمر سنين ,فلما استقام عودي,,لم أجني سوى الألم,,
فما نفعني الكبر,,ولا شفاء جرحي طول السهر,,
وانفتحت نوافذ كثيرة أمامي,,كنت أحسبها دليل إلى بداية انطلاقي,,
فكانت طريق إلى ساحة احتراقي,,
فلم أرفرف قدر نظري,,ولم يدركني مشوار عمري,,
فمالك يا صغيري تهفو إلى أن ترى نفسك مثلي كبير,,
فليتك تشعر بما يخفيه ذاك الجسم الممتلي,,
وليتك تقرأ تلك النظرات المنكسرة,,,
ولكن كيف تعلم ولم تخبر تجارب الحرمان,,ولم تمر على شفرات الأحزان,,
فأنت صغير,,وصغير على معرفة ذلك,,
وخيراً لك أن تبقى صغيراً,,
فالحياة لا زالت تناقض طموحات الساعي,,وعليك أن تنتظر حتى ينسلخ ثوبها النتن,,
فربما يأتي يوم لذلك,,فأحتفظ بطفولتك إلى يوم ذاك,,
ولا تستعجل العمر فهو آخذك لا محالة إليه,,وحينها قد يكون حظك أوفر,
وقد تسعد بالكبر,,,وقد لا تشقى بالعمر,,
فليتك تفهم يا صغيري كم أنا حزين على فقدان طفولتي,,وكم أنا خايف أراك تكبر ولم يتوارى عهدي بعد,,,,
لأنك فيه لن تكون أفضل مني حالاً,,,
فمن الصعب تجد لحظات الصفاء في عالم كهذا,,لأن وطأت الحزن فيه ثقيلة,,
فلا غيثاً يروي الظمأ,,ولا سحب تبشر بهطول الغيث,,
ومن حولك نفوس أنهكها الترف,,وصقلتها الرغبات الجامحة,,تحوم حول نفسها,,
فكيف تستشعر ما أنت تكابدهُ؟؟؟
وكيف تقرأ عبرات توحي بها دمعه أسيره حبستها عيون حالمة؟؟
بل كيف تحس بصدراً يجهش بالبكاء سراً, ليس لشي وإنما خوفاً أن تعتبره الأفواه ضعفاً؟؟
وأنى لها تحس تلك النفوس لاغتربت بينها الروح؟؟؟
فقد تمنّي نفسك بالأمل للترويح,,وقد تنتظر الغد ينبثق من رحم المواعيد,,
وقد تسليها بالاتي فقط لتجد في ذلك عزاء,,
وقد تخاوي الصبر أيضاً,,
إلا أن الأمل في عالم كهذا أبعد من أن يدركه النظر,,والغد لا زال مضغه في أحشاء الزمن,,عندها قد تنهدّ ركايز الصبر فيك ويمحي أثره الشقاء,,
وتفر معه كل عاطفة كان صبرك يواسيها,,وتبقى لوحدك غريب في كهف مهجور,,
غير أنك بين الناس حاضر,وبينك وبين روحك مسافات لا يطويها كثر السفر,,
فما أصعب أن تواري الجرح في ثرا معاناتك ثم تسوفه برياح البسمة,,
والأصعب أن يطالبك الناس أن تهبهم البسمة والجرح نازف,,
والأعظم إذا لم تجد بين الناس من يبلسم جروحك حينما تفوح عاقبة بآلام السنين,,
لا أدعوك يا صغيري إلى القنوط من الحياة,,
ولكني أحذرك من النمو في تراب غير صالح للزرع, ثم تهرول على رمال متحركة,,
لذا خيراً لك أن تبقى صغيراً.......